لعل الشعر من أفضل الأساليب لمعالجة الروحانيات. ومن يتطلع، ولو نظرة سريعة، إلى العالم الإسلامي، يجد أن الشعر قام بدور بارز في التعبير عن الخبرة الدينية. ولعل من أهم من استخدم الشعر للتعبير عن تجربته الدينية أهل التصوف، من العرب: الحلاج وابن عربي وابن الفارض وسواهم، ومن الفرس: جلال الدين الرومي وحافظ وسعدي الشيرازي وفريد الدين العطار. وثمة كذلك متصوفة من مسلمي شبه القارة الهندية، كتبوا باللغة التركية أو الأوردية أو الفارسية, وأبرزهم محمد إقبال.
والشعر الديني رمزي يعبّر عن رؤية ذاتية إلى الدين. وتعني هذه الرؤية أنها نظرة إلى العالم مبنية على الرموز والقيم الدينية، وهي، بكلام آخر، تأويل للدين بحسب ما يراه الشاعر. والمقصود بالـ"تأويل" التجربة التي خاضها المؤوِّل من حيث هو مؤمنٌ بدين ما، وقد تجلى إيمانه بعد التجربة على شكل رؤية. من هذا المنطلق، يمكن القول إن الرؤية أوسع من الدين لكنها ليست ديناً. ولما كانت الرؤية تأويلاً، لا بد من أنها تسمح بتأويل آخر للرؤية نفسها وللدين نفسه أيضاً.
عزيز إسماعيل صدر له عن دار الساقي: "الشعرية في الخبرة الدينية".